الراصد : كشفت دقة ودموية عملية فرار السجناء السلفيين الموريتانيين من السجن المركزي، الواقع بمحاذاة قيادتي أركان الدرك والجيش الموريتاني، عن احتمالات أن يكون لجهات خارجية محترفة دور في تنسيق وتنفيذ هروب السجناء الموريتانيين الأربعة، الذي يشكل الشغل الشاغل اليوم في موريتانيا والبلدان المهتمة بحالة الإرهاب في الساحل.
ومع أن أياً من الحركات الناشطة في الساحل، وفي مالي المجاورة، لم يتبنّ هذه المشاركة في عملية الفرار، ربما انتظاراً لنجاحها، وفيما ينتظر الجميع نتائج التحقيق في الحادثة، وبينما اكتفت الحكومة الموريتانية ببيان وزارة الداخلية المقتضب، فإن محللين موريتانيين مختصين يرجّحون مشاركة عناصر من تنظيم الدولة، الموجود ببوركينافاسو وأقصى شمال مالي، في تنسيق وإنجاح عملية الهروب، كما أنهم أشاروا لأسباب تضافرت لنجاحها.
وفي هذا الصدد، يقول حناني محمد الأمين، وهو إعلامي وباحث مختص في شؤون الساحل والصحراء، في تحليل خصصه للحادثة: “من المرجح أن تكون عناصر من تنظيم الدولة قد دخلت متسللة، منتهزة فرصة توفّر سيارات النقل عبر الحدود، في إطار زيارة الرئيس الماضية للنعمة التي جاءها الناس من كل ولاية، وبالتالي فرضية استغلال انشغال الناس، والتركيز على نجاح الزيارة ربما وفّر بيئة خصبة لهؤلاء العناصر للتسلل إلى العاصمة نواكشوط.
ويضيف الباحث حناني: “وعليه، يلزم الحذر وأخذ الأمر بعين الاعتبار، لأن هذه العملية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنفذ من أجل الهروب والاختفاء فقط، بل من أجل تنفيذ عمليات أكبر في العاصمة، لا قدر الله، لأن تنظيم الدولة محاصر منذ فترة، نتيجة لقوة تحرك القوات المالية المدعومة من “فاغنر”، وتسلحها الجيد مؤخراً، بالطائرات المقاتلة، وتركيزها على الأماكن الحدودية المتواجد فيها هذا التنظيم، كالفضاء الشمالي المالي في ضواحي ميناكا وگاوه، وربما بلدات أخرى، بالإضافة إلى سيطرته على الكثير من أراضي بوركينا فاسو”.
وأضاف: “أيضاً توجد مؤشرات واضحة الدلالة على أن عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية قد تكون وراء هذه العملية، نتيجة الحصار القوي الذي فرضته السلطات البوركينابية، قبل أيام، على مناطق نفوذ التنظيم، عن طريق فرض حظر تجوال ليلي يبدأ من العاشرة ليلاً وحتى الخامسة فجراً، وبالتالي يكون الخناق قد اشتد على التنظيم من طرف مالي من جهة وبوركينا فاسو من جهة أخرى، وهو الآن يحاول التسلل إلى موريتانيا، إن صلحت له تلك الخطة”.
وزاد: “ربما تكون العمليات العسكرية المنسقة من الدولتين (مالي وبوركينافاسو) قد فككت التنظيم إلى مجموعات صغيرة متشرذمة تحاول التجمع وإعادة التموقع في أي مكان أو بيئة مناسبة لتنفيذ عمليات، ولو محدودة، لا قدر الله”.
وتابع حناني تحليله قائلاً: “والدليل على فرضية أن تنظيم الدولة وراء هذه العملية هو أن قائد المجموعة السالك ولد الشيخ سبق أن فرّ من سجن نواكشوط سنة 2018 إلى غينيا، وألقي القبض عليه، وهو عضو سابق لتنظيم “القاعدة”، الذي أصبح يدعى “جماعة أنصار الإسلام والمسلمين”، وبالتالي فهو يكرر نفس السيناريو، لكن ربما بمساعدة عناصر متشددة تسللت إلى موريتانيا لتشكيل نواة للتنظيم داخلها.. والله أعلم”.
وتحدث المحلل عن الأسباب التي أدت لتوسع نشاط تنظيم الدولة باتجاه موريتانيا، فقال: “النفور وعدم التفاهم السياسي بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية، التي تؤمن أجزاء كبيرة من شمال مالي، قد يكون السبب في وجود فراغ أمني قد تستغله الحركات المسلحة الجهادية، كتنظيم “الدولة” مثلاً، لسهولة التحرك والتسلل إلى موريتانيا عبر الحدود، وبالتالي على دول الساحل أخذ خطورة هذه النقطة بعين الاعتبار، لأنه لو اندلع أي صراع عسكري بين مالي والحركات الليبرالية الأزوادية المسلحة، فإن ذلك قد يوفر فضاءً ملائماً لتنامي تنظيم “الدولة” والحركات الجهادية في دول الساحل والصحراء، وبالتالي فإنه سيؤدي لانهيار بعض الدول، كالنظام المالي، لا قدر الله، وذلك أمر سيجرّ، دون شك، ذيله نحو جاراتها”.
وعن ظروف عملية الهروب، أوضح المحلل حناني “أن المتداول هو أن السجناء الفارين استطاعوا الحصول على السلاح (لا ندري كيف)، وربما عن طريق الاستيلاء على أحد الحراس في حين غفلة وتجريده من سلاحه واستخدامه في العملية، وربما بطرق أخرى”.
وأضاف: “من المرجح التنسيق مع طرف ثان قد يكون على اتصال بالمجموعة، ولن يكون صاحب السيارة المحجوزة لأن السيارة التي استغلها الهاربون من المرجح أن تكون مغتصبة من صاحبها عنوة بإشهار السلاح، وذلك لأن هؤلاء لن يكونوا ساذجين ليستغلوا سيارة لأحد يعرفونه، لأن ذلك يشكل خيطاً أمنياً سيجعل العثور عليهم في غاية السهولة”.
وفي تحليل آخر، ذهب الإعلامي السلطان ولد البان إلى أن عملية فرار السجناء جرت في ظرف “يتميز بتدهور الأوضاع السياسية تدهورًا دراماتيكيًّا في منطقة الساحل، وبارتفاع مؤشر الإرهاب إلى نسبة 48% في هذه المنطقة، خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما مكّن الجهاديين من تنفيذ عمليات متعددة في الجارة مالي، كما ما زاد احتمالية وقوع هجمات إلى موريتانيا”.
يضيف البان: “لكن السلطات الموريتانية، في عهد الغزواني، لم تتخذ أي إجراءات أمنية على سبيل الاستعداد واليقظة التي كانت تفرضها الإستراتيجية المتبعة سلفًا، رغم وجود سجناء خطرين في السجن المركزي بنواكشوط”.
وزاد: “لم تقم الحكومة الموريتانية بخطوة إصلاحية في مجال التأهب، من ناحية توفير العتاد العسكريً واللوجستي، رغم الميزانية الهائلة، حيث ظل الإهمال سيد الموقف، فالمنشآت العسكرية قديمة، والنظام الإداري ضعيف، وهناك غياب تام للمراقبة الأمنية للسجناء السلفيين، الذين يصل عددهم إلى 17 سجينًا، يوجد من بينهم من يصنف على أنه الأخطر في المنطقة، فهذا التغاضي والإهمال شكّل خطورة كبيرة، إذ يسهل إدخال الهواتف إلى المساجين، كما انتشرت ثقافة الرشوة بين أفراد الحرس، وبيع المخدرات داخل السجون”.
وقال: “لم تستطع وزارة الداخلية رصد مشاهد مصورة لعملية الفرار، رغم تدشين الغزواني، في يوم 6 ديسمبر 2022، لنظام الأمن والمراقبة العامة لمدينة نواكشوط، فغياب عنصر الصورة جعل من الصعب تتبّع خيوط السلفيين الفارين، الأمر الذي سيطيل عملية البحث، التي كلما طال أمدها كلما نجح الإرهابيون في الابتعاد من العاصمة”.
القدس العربي