الراصد : في الجانب الغربي من سانت لويس وفي حي ابصنت (اندر توت) يقع شارع "دودس" وهو شارع طويل في آگميني يمتد بين الشمال والجنوب تطل عليه شرفات المنازل الخشبية العريقة وأشجار نخيل جوز الهند المنتشرة حواليه بجذوعها التي تكاد تلامس السماء، وتقع عليه سوق اندر ويصب فيه الجسران الرابطان بين الجزيرة واللسان البري، جسر مالك گي جنوبا وجسر مَسَكْ انچاي شمالا؛ وهو الجسر الذي يسمى بالحسانية صالة أهل محمد لحبيب.
شهد هذا الشارع أهمّ مراحل الوجود الموريتاني في سينلوي، ثقافيا وروحيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا:
- ثقافيا كانت توجد عليه مطبعة التعاون (Imprimerie Entraide) طُبعت فيها عدة كتب موريتانية من بينها أجزاء من ديواني العلاّمتين امحمد ولد أحمد يوره والمختار ولد حامدٌ، وكذلك المقولات في الحادثات، والقاموس الوافي للشيخ سيد أحمد ولد اسمه (بحوزتي) ورسائل فقهية من تأليف العلامة محمد عالي ولد محنض: رسالة فيما تجوز به الفتوي، ورسالة في وجوب الجمعة على الموريتانيين المقيمين في السينغال، مع رسائل أخرى.
وأجزاء من كتاب الأعداد للعلامة أحمدو ولد احبيب؛ وهو الذي يصف العلامة المؤرخ المختار ولد حامد لقاءه به في اندر بقوله:
أَحْمَدُ مَن لَقِيتُ فِي أَندَرٍ ** أَحْمَدُ مَن تَاهَ بِهِ أَندَرُ
مَن مِثْلُهُ فِي أَندَرٍ نَادرٌ ** وَمِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ أَندرُ.
وكان يُدير المطبعة الحاج اپپ چنگ كما هو مكتوب في طبعتها لجزء من كتاب الأعداد.
وقد عمل فيها السادة العلماء الأعيان الصالحون: محنض باب ولد امين، وأخوه عبد الله، ومحمذن ولد بارك الله.
ومن منشوراتها أيضا مجلة الحياة المدرسية، وكذلك العدد الأول من المجلة القضائية التي كانت تصدرها وزارة العدل الموريتانية؛ وهو عدد خاص بمؤتمر القضاة الذي نظمته الوزارة في نوفمبر عام 1961 لتنقيح مجلة المرافعات المدنية والأحوال الشخصية، تأليف: محمد بن أحمد البشير والمصطفى بن بابانا. نُشر العدد بتاريخ غرة رجب الحرام 1382 الموافق 15 دجمبر 1962.
كما كانت جنبات الشارع ومحاله التجارية نواديَ ثقافية تلتقي فيها نخبة رجال الفكر والسياسة آنذاك، وأكاد أجزم أن بيت الشريف الذي ورد في شعر لمرابط امحمد ولد احمد يوره يقع على هذا الشارع:
لولا الإلهُ لما قلَّـلْتُ إتــــــــــــيانا ** بيتِ الشَّريفِ وبيتِ الخودِ "ديَّانَا"
فبيتُ ذا بظريف الشعرِ أضْحَكنا ** وبيتُ ذِي بثـــــــقيلِ الشوقِ أبْكانا.
- روحيا: كان الشارع محط زيارة المشايخ والكثير من الأولياء الصالحين؛ ومن أبرزهم الأشراف الأجلاء أهل الشيخ سعد أبيه فكانت تُنصب عليه خيمة الشيخ سعد أبيه بحضور الخليفة ومريديه. ولا بأس هنا أن نتبرك بسلسلتهم الطيبة فهم على التوالي:
الخليفة الأول الشيخ سيد بويَ، الشيخ الخليفة.
الشيخ سيداتي الكبير.
الشيخ الطالب بويَ.
الشيخ سيداتي ولد الشيخ الطالب بويَ.
الشيخ محمد ماء العينين ولد الشيخ الطالب بويَ.
الشيخ سعد بوه ولد الشيخ الطالب بوي (شيخنا الطّْفيل).
الشيخ بونن ولد الشيخ الطالب بويَ.
الشيخ آياه ولد الشيخ الطالب بويَ.
رحمهم الله بواسع رحمته.
أشير هنا إلى أن أول زيارة للشيخ سعد أبيه لاندر كانت في العام 1872وقد نصبت له الخيمة آنذاك من قبل مريديه؛ لتجري عليها العادة بعد ذلك مع كل موسم زيارة لخليفة الفاضليين إلى السنغال.
- اجتماعيا واقتصاديا: نزح الكثير من الموريتانيين إلى سانت لوي خلال حربي 14 – 18 و39 - 45 عبر شاطئ المحيط؛ مما أدى إلى حضور اجتماعي معتبر في سينلوي للشناقطة، وقد تركز وجودهم في الشريط الغربي في آگميني؛ حيث أقاموا هناك سوقا كبيرا للمواشي، كما كان الكثير منهم يشترى البضاعة من اندر ليبيعها على الضفة الأخرى؛ مما خلق حركة اقتصادية حية دام عطاؤها إلى عهد قريب.
- سياسيا: كانت تقع عليه مكاتب الحكومة الموريتانية؛ وهي المعروفة بـ"موريتان" وعلى هذا الشارع مرّ "أميرُ الدّرجه والشان" الأمير أحمد سالم ولد إبراهيم السالم مُرورٙه الشهير "امكرطي من ساحل صالٙ" باتجاه مكاتب حكومة موريتانيا. ذلك الموكب المهيب الذي خلّده الأديب الكبير سيديا ولد هدار بقوله:
مولْ الملك الحيْ السبــحانْ ** تبـــارَكَ وتــــــــــعــــالَ
درْجَ عاطــــيهَ ما تنـــهانْ ** ما جَابــــــرْ حَدْ الْذَاك آلَ
طَرُّ حـــــــالَ ذاك الِّ بــانْ ** أحـــــمد سالمْ يالــرجــالَ
ذاك أميــرْ الدرْجَ والشانْ ** تتگامــــــــطْ بــيه الزمّالَ
مستــــگبل نافدْ موريتانْ ** امْكرْطِي من ساحل صالَ
فـــــوگُ ظــــلّالَ فَاَرَدَانْ ** والدرجَ فوگُ ظـــــــــلّالَ
ذيكْ الحاَل من فمْ اتبان ** هي حالةْ ذيك الـــــــــحالَ.
* المدير الناشر لشبكة رياح الجنوب