الراصد: زرتُ قطر مرتين في مهام رسمية،.. طبعا هذه المعلومة ليست موضوع التدوينة، كانت محاولة منِّي ل "تسيافْ المُوجبْ" حتى أنشر صورة لي خَلفيَّتها فندق شيراتون (آفَارْكو الدَّوحة) في حِقبة اشعثْ،.. ثم أعدلتُ..
في موضع آخر، في توجنين كنتُ في سيارة رسمية مع طلائع وفْدٍ قطري، جاء يُحضّر لزيارة لشخصية سامية منهم، كان مرافقي شاب قطري يتلمَّس مشواره على العتبة الأولى للدبلوماسية،... وفي زحمة تقاطع "الرابع والعشرين" بين العابرين والحمير والعربات، وحيث ينكسر كبرياء التَّحضر، صار رأسه يضرب ذات اليمين وذات الشمال استغرابا،.. وعكس زميلي في العمل لم تزعجني صدمته من مناظر البؤس البغيضة، فالدوحة قبل أن يُقْمر ليلها كانت مجرد صخرة لصيد اللؤلؤ، وأقرب إلى ملامح "توجنين مُگدرنه"،.. فهي مثل عاصمتنا لا تملك تاريخا عمرانيًّا عَريقًا، حتى أخرجت لها الأرض من غازها ونفطها، فامتلأت واستغنت، وطَغت..
يقول الشاب: «والدي أَحَبَّ هذه الأرض، واستأنسَ هذا الشَّعب الكريم، ويُردِّد عليَّ دائمًا: عندما قدمتُ موريتانيا بكيتُ منها أسفًا على نفسي، وحين ودَّعتها بكيتُ عليها من تعلقي بها».. فكدتُ أقول له: «هو نفس حالنا مَعَها، تجعلنا مرارًا نبكي منها، ثم نبكي علينا وعليها من فرط حبِّنا لها».. والده كان أوّل من افتتح سفارة لقطر في موريتانيا.
لا أستعذب "الفُوتْ" كثيرا، أعتبرها من الذُّكوريات، ولا أتجاوز معها أبعد من عروض الافتتاح، لكني أحترم لاعبها وعاشقها.
اجتهدت قطر البلد العربي-الإسلامي، ونجحت في تنظيم مونديال فخم الإبهار، ضخم الدعاية، باذخ الوسائل، ممتع الإثارة، تميزت فيه فرق عربية، فأيقظت مشاعر الانتماء المشترك،.. هذه "الحالة" جعلت نوعًا من المواقف المزدوجة، المُلتبسة، تتعرُّج في أدمغة بعضنا، بين إحساس بالامتنان العاطفي العفوي لقطر، وبين الموقف الغائر في قلوبنا من بطش قطر في أمَّتها، ومن نفث سموم "جزيرتها"،.. حُرِّية التعبير وفوضوية التغيير.
انفقت قطر من المال العربي ما يُعادل ست عشرة مرَّة ما انفقت روسيا على كأس 2018 ! ، تدفع كذا مليون دولار كل أسبوع لتغطية نفقات ملاعب ذات استعمال واحد،.. ويكفي بطرا، نظام ترفٍ خياليٍّ لتهوية هذه الملاعب في قلب الصحراء، بل وحتى تبريد شتلات عُشب نفس الملاعب.. وهو عبث من مستوى عظمة قطر الغاز.
من هذا العبث الكبير، استعذبتُ بعض الفواصل الأنثوية الكاسرة للملل عمَّن لا تهمه اللعبة كثيرا،..
فقد صادفتُ مرَّات احتفاء الفرنسيين بحَكَمِهم Stéphanie Frappart، أنثى بقوام عضَلي، قادت بحزم مباراة ألمانيا وكوستاريكا في مساء شتوي دافئ، بين السابعة والثامنة، وهو توقيت حالم يليق بتتَّبع النساء - غير العضليَّات- للخطو الرجوليِّ الرَّاقص،.. لم تُبهرني سيطرتها، لكن انبهرتُ من "شُورْتها" القصير في عاصمة الخلافة الإسلامية-العربية.. ، وعاد بي الزمن قليلا إلى حين غزت قطر بملياراتها فرنسا، واشترت باري-سين-جيرمان، وموَّلت خطط الإنقاذ في ضواحي باريس ، وتدخَّلت في سوقها العقاري وفي رؤوس أموال شركاتها، فحاولت بقوة السيولة أن تكون المحرك الاقتصادي لها في لحظة كبوة أو غفلة.. إلا أنَّ طلائع المجتمع الفرنسي التنويري تنبَّهت، أو تنبه ما يُسمُّونهم Les avant-gardistes ، متسائلين لماذا تعطي قطر لفرنسا، وبسخاء؟
وفي سبيل رفع اللبس، تعاون كل من Nicolas Beau أستاذ في جامعة Paris VIII و Jacques-Marie Bourget مراسل كبير، متخصص في الشرق الأوسط على كتاب أسمياه Le Vilain Petit Qatar : Cet ami qui nous veut du mal ، هذا العنوان الساخر مستوحى من قصة خيالية من الأدب العالمي الشهير للشاعر الدنماركي "أندرسن"، تسمى "فرخ البط القبيح" Le vilain petit canard ، وفي الكتاب شَرَحا وشَرَّحا الوجه القبيح لدسائس المال الكيدي للإمارة الصغيرة، حماية منهما لفرنسا من عبثٍ في الأفق.. فلكلِّ أمة طلائع تفكير تحميها من تشويش مَجهول وافد أو عابث،.. فماذا عنا؟.. الجواب مُؤجَّل!
المهم،.. المتفرّج الفرنسي البسيط على هذا المونديال كالمتفرج العربي البسيط، لا يهمُّه إعادة اكتشاف الوجه القبيح لقطر في كتاب الحقائق أعلاه،.. فشغفه بالكرة سيكون أكثر حماسًا للمتعة منه للسياسة، وأكثر انشغالا بالتّباهي بهرولة "استفاني" في "استاد البيت" العربي حاسرة عن فخذيها، كأول امرأة حَكَم في تاريخ المونديال، وفي بلد إسلامي "متزمِّت"،.. وهنا نجاعة وسحر التلميع والدعاية في غسل الدماغ...
الدعاية السَّاطعة تُجمِّلُ القُبح، وتُنسي في القبيح، وهو سرٌّ فهمه "الإخوان" جيّدا وخبروه، فركّزوا على ماكينة الإعلام الضَّاغط المُغالط،.. وفي بلدنا سَيْطروا على الإعلام المستقل، ويزحفون بوعيٍ على الرَّسمي وملحقاته.
من التفاصيل الأنثوية أيضا، والتي بدورها تعطي صورة حسنة عن اعتدال المسلمين في الديار القطرية سنتذكَّر للأبد، عرض اللحم الأكثر جاذبية، لملكة جمال كرواتيا Ivana knoll ، صاروخ أرض جو، تجاوز احمراره كل الحواجز الحمراء للدعاية بأسلمة قطر للمونديال،.. تتبختر الفاتنة في المدرجات لتبذل بعض الإثارة السَّمحة، وصُوَرها في الدوحة حكاية!.. دوحة الإسلام والمسلمين!
ربما يستحق منِّي هذا الجو الشُّو عودة ثالثة لقطر، مع أنِّي لا أعرف فيها غير المفكر الشنقيطي، المتخصّص في عِلم القَطريَّات، سيستضيفني لا محالة، سيُنوِّرني في الرَّاجح شرعًا من الاستثناءات في شأن المكشوف عنهُ من قَوام الضيفات المثيرات، حرائر أهل الذِّمة، وهل نُلاطفهن أم نضبط "ضلالهن"؟،.. وكيف نَستر منهن باطن الفخذ وظاهر الأثداء، دَرءً لذرائع الشَّر في حضرة ذكورية إنْ غضَّت بصرها تُفوِّتُ اللعبة.. أم ليس عليهن جُناح في التخفيف من الثياب في الملاعب؟، أم هُنَّ مأمونات الفتنة؟، ومن يدري فقد تمنحنا الحَكم الفرنسية ركلات تجْريح مجاني.. أمَّا فيمن سننفذ الرَّكلات؟،.. فطبعا في الأموات.
حاصله،
رغم الدعاية المُحاصرة للمتفرج، أجدني عاجزة عن التبرع بتشكيل صورة مُتحضِّرة لتلك "القطر" التي كانت تتوحش أمامي بمغولها في الشام وفي ليبيا وغيرهما، تذبح بسكين جون، وتحرق في الأقفاص،.. تلك التي وزَّعتنا بقوَّة المال، بين أصحاب يمين وأصحاب شمال، وجعلت الأمة تتشَايَعُ بين الطوائف والملل.. ياااه، الأمر بالأمس، ويحتاج محوه من ذاكرتي لشيء أبلغ من المونديال، فمَهما نظَّمت قطر من ترفيه، وزرعت من أبراج الخرسانة، وأدخلت من فُضوليٍّ للإسلام ، لن تُبهرني بوجهها الذي تريد خلقه اليوم، ستظل علامة مُضلِّلة، تَشتري السياسيين، والصناعيين، والإعلاميين، والرياضيين، وتبطش بوسائلها، فالإمارة ستجرّ وراءها قرونا عُقدة جَمر ربيعها العربي، وما صنعت بمالها من إر.هاب،.. الإمارة حتى الأمس ملعبها النار والدمار، ولعبتها الموت، أمَّا رسائل السلام والإسلام بالترفيه فلا تشبه وجهها في شيء، وما تنفقه بجنون على المساحيق ليس رغبة منها في إسعاد الآخرين ، بل لبقائها!.
هذا باط سابگ يوفَ كز بلوه.
تحياتي.