الراصد: “إن ثروات العالم أجمع عاجزة عن شراء ذلك الشريان الذي يغرسه الانسان في تربة وطنه.. ليحيا.. لا ليعيش فقط!”
غادة السمان
هويتي بيظانية، انتمي لجغرافيا البيظان عمومًا، فليس في عروق موريتاني دماء ليست في عروقي ولا في عروق صحراوي كذلك دماء ليست في عروقي، أنا هنا في طلح نواكشوط وطلح الساقية الحمراء، وبينهما في رمال الصحراء، لا زلت متعطشةً للمزيد من الكتابة والكتابة، فالنص الجميل هو الذي لم يكتب بعد.. طموحي جامح يتناص مع جهنم، كلما وصلت شيئا صاح هل من مزيد..الوطن، تمام الأبجدية المستحيلة..
مرحبا، هذه أنا!…
ولكم هذه المرة متكومة داخل رحم الوطن بعد سبع وعشرين سنة لم أفتش خلالها عن شيء،وهاأنا أبحث اليوم عن ملامح هذا الوطن ..
ترهلت ملامحه، ومايزال يافعا يشاكس الصبية ببندقيته الصدئة، مرة يدنو، مرة يحبو، ومرات يرمينا بالشوك لكنه الوطن.. يملك أيادٍ خشنة، وفي لحظات مجنونة يربت على أكتافنا بيدين صغيرتين ناعمتين..
ربما قلبه مثلث نتسرّب منه كما تتسربُ حبات الرمل في يدٍ من عدم، أو دائري مثل فكرتنا عن الوقت، طولاني مثل طريقٍ مُسيَّجةٍ بالعجائب، أو ربما هو همزة موصولة إلى القلب، وضمة تجبر كل كسر. لا شكل للوطن.. الوطن لا شكل له..
الوطن، تمام الأبجدية المستحيلة..
ها أنا أكتب له في ذكرى استقلاله والفرح يلف أحبالي الصوتية، ولست وحدي بين أحشاء هذا المساء، بل المئات على يساري تماماً. نأخذ هذه الذكرى على محمل الحب ونطبخ الحروف على نار الفخر كي تفيض الأنامل كتابة..
هذه أنا مرة أخرى وأخرى!:
في ليلة قمرية قبل اثنان وستون عاما ولد الوطن، صبي يفرد جناحيه على منعطفات الطرق الخالية إلا من لصوص تسللوا ليسرقوا من عمره عمراً، صبي كتب التاريخ على جدران الغرف الخالية من الضمير، يرتب أسئلته التي كتبها بألوان مختلفة عن كل حقبة، صبي الحكايات المغلفة بغدر المساءات الشقية كما كان يصفها الصباح!..
في ليلة متصحرة بعد ذكرى الاثنان والستون عاما، سندعوا عازفة “آردين” لتعزف لنا بذاكرة أيام الحرب والسلام نشيد الوطن، قبل أن تدفع بنا مدينة الرياح إلى أن نشق منتصف الحقيقة بخطوتين!… أن نحصي هذه الأفواه المفتوحة على مصراعيها تخليداً بنص!..
وكل عام والوطن… وطن..