"تفرغ زينة"، حي الأغنياء والمتقمِّصين لأدوار الغنى، وأكثر الأحياء حظَّا من سهام النّقد المطلق والتَّجريح في صيغة التَّعميم، فالكل يمتلك تجاه أهل الحي جرأة الناصح عن تصرفات مُفترضة والمصحح لانحرافات متخيَّلة، وكأنَّ سكانها من عالم آخر.. أمَّا الصورة النمطية، فهي كون الحي يرمز لغُبن أو اختلال أو ظلم مَّا، يجب إصلاحه!
تُحاول الذهنية العامة في انواكشوط تشكيل عالمين أحدهما ضحية الآخر، ترمز فيه "تفرغ زينه" للغابن، و"ما وراء مدريد" للمغبون.. ولكل من العالمين أحكامه الجاهزة عن الآخر، ومنها أنَّ: «ساكنة تفرغ زينه عالم مُتْرفٌ، وفي الأغلب لصوص من الأشرار الأغنياء».. ومنها أنَّ: «ساكنة ما وراء مدريد عالم مُتَرَيِّفٌ، وفي الأغلب لا يبذل جهدا ويسعى للسّهل المجاني».. هذه الأحكام تُوطِّد الحدود النفسية بين هذين العالمين بثبات حتى لا تنزاح.. خصوصا أن فُرص التفاعل بينهما تقل تدريجيا والقواسم المشتركة إلى نزول..
من منطق هذه العقلية المُستَبيحة، جاءت فلتة لسان يحظيه قبل أيَّام، حين وعد بتسليط الجن المُحرر من مُعيداته الفقيرات على نساء جمهورية "تفرغ زينه" المُعادية والمناقضة لجمهورية "عرفات" .. فالجمهورية المترفة يُنسب لها كل ما يُعشعش في مخيّلة العامة من صوَّرٍ سلبية عن الغنى.. وقد ظهر السّيد مَزهُوًّا ، واثقا من كونه يمتلك وسيلة تنكيل ستنتقم لحيّه من مَظاهر تَرف نساء ذلك الحيِّ اللدود.
الأستاذ يحظيه، اسم بارز في عالم الرّقية التجارية، وهي مُصطلح يَمنح الشعوذة وجهًا ألطف،.. ومنذ فترة وهو يقود بمباركة صمتٍ مُتغافل عملية تحديثٍ وطنية لعالم الشعوذة، يمرح فيه بالطول والعرض، بحزمة أفكار مُبدعة حتى ولو انتهت به أحيانا في المخفر.
حَملَ تصريحه الأخير حميَّة للمُدقعات ممّا "وراء مدريد"، من المُخلَّصات حديثا من تلبُّس الجن،.. هذا الجن المُحرر يجب تدويره في مسعى لإعادة الاعتبار إليه بعد طرده، كما يحصل في تعيينات الإدارة.. فيحظيه ملزم أخلاقيا بتدبير ملجأ مريح لمتقاعدي خدمته، ففي النهاية هم نديم له مُقابل النَّعيم الذي يرفل فيه، وهم رزقه السّخي الذي لا يتطلّب جُهدا أكثر من قراءة تتلازم وصراخ.
فكرة الرجل الجديدة، أنه بعد كل مبارزة بالرّيق مع الجن فوق جسدٍ وراء مدريديٍّ نَحيل، يُسلّمهم أوراق إقامة في جسم آخر لفقمة من فقمات "تفرغ زينه"،.. هذا اللَّحد اللحمي المريح أو المستقر الباذخ سيوفر للجني الودود سريرا من "بفتك" ، يهجع للنَّوم عليه أو يقيم فيه ليالٍ حمراء حتى تبلّج الإصباح، تنسيه كدر الطَّرد،.. أما العفريت العنيد فيصفَّد بالحديد ويربط بقولون "البطرونه"، وسيفهم حينها قيمة المَغْنم الجديد حين يستبدل وجباته من آدلگان بالمشوي..
لنُنصف الرّجل، فهو معنيّ بمصير ضحاياه من الجن بعد سلبهم ضحاياه من الإنس، فالظاهر أنه لا يمكن إغلاق القوس على حياة الجن إلا بمنحهم بعض خواتيم التَّرف ككبار المسؤولين.
لكن، ماذا لو تكاثرت تدفُّقات جن يحظيه على "تفرغ زينه"، فزاحموا اللّصوص والخادمات والأجانب في التّكالب على الحيِّ.
من حق الأغنياء القلق من غزوهم، لأنهم -عكس الفقراء- لديهم ما يخسرونه، ولديهم ما يولّد هاجس الأمان من الإنس والجان،... ثم إذا كان الأغنياء عاجزين عن مُجرّد التوافق المزاجي مع إنْس "ما وراء مدريد" فكيف لهم بالتوافق مع جنِّهم،..
على كلٍّ، الأحياء الراقية كما الفقيرة في كل المدن، ولكل منها نمطه ومحدداته الاجتماعية في حياته وتمثلاته الخاصة به، وتوقيف يحظيه، لا يخدم التسريع بالترحيل العلني لأفواج شياطين عرفات صوب تفرغ زينه، وقد يدفع به التضييق عليه لتهريبهم سرًّا في ظروف غير مهنية ومحفوفة بالإرباك، فتتفلت شحنات نحو لكصر أو تيارت..
عموما "البطارين" ما هم "افيلحين" في الغالب، وبحاجة لما هو أبعد من مجرد الشّيطنة ذَمًّا بالغنى، بحاجة لغزواتِ تلبُّسٍ من الشيطان نفسه "للقَبول".. قلتُ "الشَّيطان" ولم أقل الجن.
فك الله أسر يحظيه، يكانو يَدْرَك ذَ الفات اطلص من اتلاميدو.
تحياتي.