الراصد: تفطَّر قلبي على طفل "بومديد"، وقبله بأيام على طفل "تونگاد" الذي خذله الإعلام وأعتبره تحصيل حاصلٍ مُتوقّع، مُتكرّر، فمنذ الأزل، كلّما فاضت بطحاء عن سريرها ابتلعت قُربانًا بشريا من جيرانها.
صعب التفرج على الموت البطيء وعلى اليأس.
صعب أن تدفعك لهفة التشبث بالحياة إلى مطالبَ تعجيزية عبثية وهي في الآنِ بديهية مشروعة،.. فتتمنى مثلا على الدولة في ظرف ساعة أن تستنفر مروحيات وزوارق نجدة، وأطقم إنقاذ وبرمائيين محترفين، وأن تبعث لأجلك بُنْية إنقاذٍ متكاملة ليلا في فلاة مُدلهمَّة .. من انواكشوط أو من انواذيب إلى بومديد أو غيره!.. ثم تجدها غير قادرة على ذلك.
عبث، لأنَّ «اشْروطْ الشَّح تلتگط في ارْخَ»... المفروض أنَّ ترسانة الإنقاذ تُبنى تراكميًّا وبهدوء منذ دهر، وأن لا يتطلب استنفارها أكثر من وقت بلاغٍ تحمله مُكالمة، خصوصا أن الدولة تمخر اليوم في عقدنا السابع من عمر الدولة الغريبة،.. دولة من زمن سحيق.
أعود للمرة الثالثة لكتابة الكلمات نفسها وقد استفزَّتها الظروف ذاتها، ومنها:
• أنَّ إنقاذ الأرواح يكون بالحضور في الوقت الذي تقتضيه "النجدة"، ففارق الدقيقة حاسم بين الموت والحياة أثناء حوادث السير والحرائق والغرق.
• أنه ليس من العقل أن نطالب مراهقا في عمر التَّهور بالتعقل والاتعاظ والاتزان، لكن من الحق أن نطالب وزارة الداخلية بالرَّشاد والسَّداد وببعث الحماية المدنية من مرقدها الفرعوني لتواكب العصر..
• أنه قبل سنوات تولَّى رجال ضفادع في زوارق غوصٍ سنغالية انتشال جثة مواطننا الطالب الجامعي من نهر السنغال بعد أن عجزنا – لِعجزنا - عن القيام بنفس المهمة.. فهل اتعظنا؟ هل أعدنا النظر في جهاز الإنقاذ وفاعليته.. المعطيات تُشير ب "لا"!.. هل نعيد النظر اليوم؟، أتمنى!
• أنَّ الحماية المدنية من مهامها التدخل للإسعاف المستعجل لمرضى القلب والذبحة الصدرية في البيوت، وتوفير خدمة نقل آمنة طبيا للحالات الحرجة من البيوت الى المستشفيات، وخدمة كهذه من بديهيات البديهيات في أغلب البلدان.. وأمراض القلب والشرايين تفتك بالمواطنين في صمت، والإسعاف السريع يصنع الفرق..
• أن الدولة في أمس حاجة لوعيٍ احترازيٍّ، يجعلها تنظر لأبعد من حدود أيَّام الطمأنينة،.. فحن نعيش في سباتٍ استشرافي، كما لو كُنَّا نملك حصانة أزلية من الكوارث، من الفيضانات، والزلازل، والحرائق الكبيرة، والأوبئة.
متى سنكون قادرين على الحشد السريع للنجدة، على استنفارها في «الوقت المناسب»، وفي أيّ مكان، وخلال الفواصل الزمنية الحساسة والتي منها موسم الأمطار ومواسم التنقلات؟
أتمنى أن نستريح من السياسة فترة، وأن نُخدِّر السَّاسة أو نَنْفيهم من البلاد، أنْ نُعطّل الصناديق والحملات والكرنفالات ونُخصّص ريعها لما هو أهم.. للتنمية الحيوية، لبناء ضرورات البقاء.
في كل مرة يظهر عجزنا الزَّمني أمام حالات اعتيادية، فكيف سيكون حالنا في حالة الكوارث لا قدر الله،... أتخيَّلها مجزرة جماعية!